کد مطلب:109808 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:157

خطبه 090-خطبه اشباح











ومن خطبة له علیه السلام

تعرف بخطبة الاشباح وهی من جلائل الخُطبة علیه السلام

روی مسعدة بن صدقة عن الصادق جعفر بن محمّد علیهما السلام أنّه قال:

خطب أمیر المؤمنین علیه السلام بهذه الخطبة علی منبر الكوفة، وذلك أن رجلاً أتاه فقال له: یا أمیرالمؤمنین! صف لنا ربّنا مثلما نراه عیانا لنزداد له حباً وبه معرفة. فغضب ونادی: الصلاة جامعة، فاجتمع الناس حتی غصّ المسجد بأهله.

فصعد المنبر وهو مغضب متغیّر اللون، فحمد الله و أثنی علیه و صلّی علی النبی صلی الله علیه وآله، ثمّ قال:

وصف الله تعالی

الْحَمْدُ للهِ الَّذِی لاَ یَفِرُهُ الْمَنْعُ وَالْجُمُودُ، وَلاَ یُكْدِیهِ الْإِعْطَاءُ وَالْجُودُ; إِذْ كُلُّ مُعْطٍ مُنْتَقِصٌ سِوَاهُ، وَكُلُّ مَانِعٍ مَذْمُومٌ مَا خَلاَهُ، وَهُوَ الْمَنَّانُ بِفَوَائِدِ النِّعَمِ، وَعَوائِدِ المَزِیدِ وَالْقِسَمِ، عِیَالُهُ الْخَلاَئِقُ، ضَمِنَ أَرْزَاقَهُمْ، وَقَدَّرَ أَقْوَاتَهُمْ، وَنَهَجَ سَبِیلَ الرَّاغِبِینَ إِلَیْهِ، وَالطَّالِبِینَ مَا لَدَیْهِ، وَلَیْسَ بِمَا سُئِلَ بِأَجْوَدَ مِنْهُ بِمَا لَمْ یُسْأَلُ. الْأَوَّلُ الَّذِی لَمْ یَكُنْ لَهُ قَبْلٌ فَیَكُونَ شَیءٌ قَبْلَهُ، وَالْآخِرُ الَّذِی لَیْسَ لَهُ بَعْدٌ فَیَكُونَ شَیْءٌ بَعْدَهُ، وَالرَّادِعُ أَنَاسِیَّ الْأَبْصَارِعَنْ أَنْ تَنَالَهُ أَوْ تُدْرِكَهُ

، مَا اخْتَلَفَ عَلَیْهِ دَهْرٌ فَیَخْتَلِفَ مِنْهُ الحَالُ، وَلاَ كَانَ فِی مَكَانٍ فَیَجُوزَ عَلَیْهِ الْإِنتِقَالُ، وَلَوْ وَهَبَ مَاتَنَفَّسَتْ عَنْهُ مَعَادِنُ الْجِبَالِ، وَضَحِكَتْ عِنْهُ أَصْدَافُ الْبِحَارِ، مِنْ فِلِزِّ اللُّجَیْنِ وَالْعِقْیَانِ، وَنُثَارَةِ الدُّرِّ وَحَصِیدِ الْمَرْجَانِ، مَا أَثَّرَ ذلِكَ فِی جُودِهِ، وَلاَ أَنْفَدَ سَعَةَ مَا عِنْدَهُ، وَلَكَانَ عِنْدَهُ مِنْ ذَخَائِرِ الْأَنْعَامِ مَا لاَ تُنْفِدُهُ مَطَالِبُ الْأَنَامِ، لاَِنَّهُ الْجَوَادُ الَّذِی لاَ یَغِیضُهُ سُؤَالُ السَّائِلِینَ، وَلاَ یُبْخِلُهُ إِلْحَاحُ المُلِحِّینَ.

صفاته تعالی فی القرآن

فَانْظُرْ أَیُّهَا السَّائِلُ: فَمَا دَلَّكَ الْقُرْآنُ عَلَیْهِ مِنْ صِفَتِهِ فَائْتَمَّ بِهِ وَاسْتَضِیءْ بِنُورِ هِدَایَتِهِ، وَمَا كَلَّفَكَ الشَّیْطَانُ عِلْمَهُ مِمَّا لَیْسَ فِی الْكِتَابِ عَلَیْكَ فَرْضُهُ، وَلاَ فِی سُنَّةِ النَّبِیِّ صَلَّی اللهُ عَلَیْهِ وَآلِهِ وَأَئِمَّةِ الْهُدَی أَثَرُهُ، فَكِلْ عِلْمَهُ إِلَی اللهِ سُبْحَانَهُ، فَإِنَّ ذلِكَ مُنْتَهَی حَقِّ اللهِ عَلَیْكَ. وَاعْلَمْ أَنَّ الرَّاسِخِینَ فِی الْعِلْمِ هُمُ الَّذِینَ أَغْنَاهُمْ عَنِ اقْتِحَامِ السُّدَدِ الْمَضْرُوبَةِ دُونَ الْغُیُوبِ، الْإِقْرَارُ بِجُمْلَةِ مَا جَهِلُوا تَفْسِیرَهُ مِنَ الْغیْبِ الْمَحْجُوبِ، فَمَدَحَ اللهُ ـ تَعَالَی ـ اعْتِرَافَهُمْ بِالْعَجْزِ عَنْ تَنَاوُلِ مَا لَمْ یُحِیطُوا بِهِ عِلْماً، وَسَمَّی تَرْكَهُمُ التَّعَمُّقَ فِیَما لَمْ یُكَلِّفْهُمُ الْبَحْثَ عَنْ كُنْهِهِ رُسُوخاً، فاقْتَصِرْ عَلَی ذَلِكَ، وَلاَتُقَدِّرْ عَظَمَةَ اللهِ سُبْحَانَهُ عَلَی قَدْرِ عَقْلِكَ فَتَكُونَ مِنَ الْهَالِكِینَ. هُوَ الْقَادِرُ الَّذِی إِذَا ارْتَمَتِ الْأُهَامُ لِتُدْرِكَ مُنْقَطَعَ قُدْرَتِهِ، وَحَاوَلَ الْفِكْرُ الْمُبَرَّأُ مِنْ خَطَرَاتِ الْوَسَاوِسِ أَنْ یَقَعَ عَلَیْهِ فِی عَمِیقَاتِ غُیُوبِ مَلَكُوتِهِ، وَتَوَلَّهَتِ الْقُلُوبُ إِلَیْهِ لِتَجْرِیَ فِی كَیْفِیَّةِ صِفَاتِهِ، وَغَمَضَتْ مَدَاخِلُ الْعُقُولِ فی حَیْثُ لاَ تَبْلُغُهُ الصِّفَاتُ لِتَنَاوُلِ عِلْمَ ذَاتِهِ، رَدَعَهَا وَهِیَ تَجُوبُ مَهَاوِیَ سُدَفِ الْغُیُوبِ، مُتَخَلِّصَةً إِلَیْهِ ـ سُبْحَانَهُ ـ فَرَجَعَتْ إِذْ جُبِهَتْ، مُعتَرِفَةً بِأَنَّهُ لاَ یُنَالُ بِجَوْرِ الْإِعْتِسَافِ كُنْهُ مَعْرِفَتِهِ، وَلاَ تَخْطُرُ بِبَالِ أُولِی الرَّوِیَّاتِ خَاطِرَةٌ مِنْ تَقْدِیرِ جَلاَلِ عِزَّتِهِ. الَّذِی ابْتَدَعَ الْخَلْقَ عَلَی غَیْرِ مِثَالٍ امْتَثَلَهُ، وَلاَ مِقْدَارٍ احْتَذَی عَلَیْهِ، مِنْ خَالِقٍ مَعْبُودٍ كَانَ قَبْلَهُ، وَأَرَانَا مِنْ مَلَكُوتِ قُدْرَتِهِ، وَعَجَائِبِ مَا نَطَقَتْ بِهِ آثارُ حِكْمَتِهِ، وَاعْتِرَافِ الْحَاجَةِ مِنَ الْخَلْقِ إِلَی أَنْ یُقِیمَهَا بِمِسَاكِ قُوَّتِهِ، مَا دَلَّنا بِاضْطِرَارِ قِیَامِ الْحُجَّةِ لَهُ عَلَی مَعْرِفَتِهِ، وَظَهَرَتِ الْبَدَائِعُ الَّتِی أحْدَثَها آثَارُ صَنْعَتِهِ، وَأَعْلاَمُ حِكْمَتِهِ، فَصَارَ كُلُّ مَا خَلَقَ حُجَّةً لَهُ وَدَلِیلاً عَلَیْهِ، وَإِنْ كَانَ خَلْقاً صَامِتاً، فَحُجَّتُهُ بِالتَّدْبِیرِ نَاطِقَةٌ، وَدَلاَلَتُهُ عَلَی الْمُبْدِعِ قَائِمَةٌ. فَأَشْهَدُ أَنَّ مَنْ شَبَّهَكَ بِتَبَایُنِ أَعْضَاءِ خَلْقِكَ، وَتَلاَحُمِ حِقَاقِ مَفَاصِلِهِمُ الْمُحْتَجِبَةِ لِتَدْبِیرِ حِكْمَتِكَ، لَمْ یَعْقِدْ غَیْبَ ضَمِیرِهِ عَلَی مَعْرِفَتِكَ، وَلَمْ یُبَاشِرْ قَلْبَهُ الْیَقِینُ بِأَنَّهُ لاَ نِدَّ لَكَ، وَكَأَنَّهُ لَمْ یَسْمَعْ تَبَرُّؤَ التَّابِعِینَ مِنَ المَتبُوعِینَ إِذْ یَقُولُونَ: (تَاللهِ إِنْ كُنَّا لَفِی ضَلاَلٍ مُبِینٍ * إِذْ نُسَوِّیكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِینَ) كَذَبَ الْعَادِلُونَ بِكَ، إِذْ شَبَّهُوكَ بِأَصْنَامِهِمْ وَنَحَلُوكَ حِلْیَةَ الْمَخْلُوقِینَ بِأَوْهَامِهمْ، وَجَزَّأُوكَ تَجْزِئَةَ الْمُجَسَّماتِ بِخَوَاطِرِهِمْ، وَقَدَّرُوكَ عَلَی الْخِلْقَةِ الُْمخْتَلِفَةِ الْقُوَی، بِقَرَائِحِ عُقُولِهِمْ. فَأَشْهَدُ أَنَّ مَنْ سَاوَاكَ بِشَیْءٍ مِنْ خَلْقِكِ فَقَدْ عَدَلَ بِكَ، وَالْعَادِلُ بِكَ كَافِرٌ بِمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ مُحْكَمَاتُ آیاتِكَ، وَنَطَقَتْ عَنْهُ شَوَاهِدُ حُجَجِ بَیِّنَاتِكَ، وَإِنَّكَ أَنْتَ اللهُ الَّذِی لَمْ تَتَنَاهَ فِی الْعُقُولِ، فَتَكُونَ فی مَهَبِّ فِكْرِهَا مُكَیَّفاً، وَلاَ فِی رَوِیَّاتِ خَوَاطِرِهَا فَتَكُونَ مَحْدُوداً مُصَرَّفاً. و منها: قَدَّرَ مَا خَلَقَ فَأَحْكَمَ تَقْدِیرَهُ، وَدَبَّرَهُ فَأَلْطَفَ تَدْبِیرَهُ، وَوَجَّهَهُ لِوِجْهَتِهِ فَلَمْ یَتَعَدَّ حُدُودَ مَنْزِلَتِهِ، وَلَمْ یَقْصُرْ دُونَ الْإِنْتِهَاءِ إِلی غَایَتِهِ، وَلَمْ یَسْتَصْعِبْ إِذْ أُمِرَ بِالْمُضِیِّ عَلَی إِرَادَتِهِ، وَكَیْفَ وَإِنَّمَا صَدَرَتِ الْأُمُورُ عَنْ مَشیئَتِهِ؟ الْمُنْشِیءُ أصْنَافَ الْأَشْیَاءِ بِلاَ رَوِیَّةِ فِكْرٍ آلَ إِلَیْهَا، وَلاَ قَریحَةِ غَرِیزَةٍ أَضْمَرَ عَلَیْهَا، وَلاَ تَجْرِبَة أَفَادَهَا مِنْ حَوَادِثِ الدُّهُورِ، وَلاَ شَرِیكٍ أَعَانَهُ عَلَی ابْتِدَاعِ عَجَائِبِ الْأُمُورِ، فَتَمَّ خَلْقُهُ، وَأَذْعَنَ لِطَاعَتِهِ، وَأَجَابَ إِلی دَعْوَتِهِ، لَم یَعْتَرِضْ دُونَهُ رَیْثُ الْمُبْطِیءِ، وَلاَ أَنَاةُ الْمُتَلَكِّیءِ، فَأَقَامَ مِنَ الْأَشْیَاءِ أَوَدَهَا، وَنَهَجَ حُدُودَهَا، وَلاَءَمَ بِقُدْرَتِهِ بَیْنَ مُتَضَادِّهَا، وَوَصَلَ أَسْبَابَ قَرَائِنِهَا، وَفَرَّقَهَا أَجْنَاساً مُخْتَلِفَات فِی الْحُدُودِ وَ الْأَقْدَارِ، وَالْغرَائِزِ وَالْهَیْئَاتِ، بَدَایَا خَلاَئِقَ أَحْكَمَ صُنْعَهَا، وَفَطَرَهَا عَلَی مَا أَرَادَ وَابْتَدَعَهَا!

منها فی صفة السماء

وَنَظَمَ بِلاَ تَعْلِیقٍ رَهَوَاتِ فُرَجِهَا، وَلاَحَمَ صُدُوعَ انْفِرَاجِهَا، وَوَشَّجَ بَیْنَهَا وَبَیْنَ أَزْوَاجِهَا، وَذَلَّلَ لِلْهَابِطِینَ بِأَمْرِهِ، وَالْصَّاعِدِینَ بِأَعْمَالِ خَلْقِهِ، حُزُونَةَ مِعْرَاجِهَا، وَنَادَاهَا بَعْدَ إِذْ هِیَ دُخَانٌ مُبِینٌ، فَالْتَحَمَتْ عُرَی أَشْرَاجِهَا، وَفَتَقَ بَعْدَ الْإِرْتِتَاقِ صَوَامِتَ أَبْوَابِهَا، وَأَقَامَ رَصَداً مِنَ الشُّهُبِ الثَّوَاقِبِ عَلَی نِقَابِهَا، وَأَمْسَكَهَا مِنْ أَنْ تَمُورَ فِی خَرْقِ الْهَوَاءِ بِأَیْدِهِ، وَأَمَرَهَا أَنْ تَقِفَ مُسْتَسْلِمَةً لاَِمْرِهِ، وَجَعَلَ شَمْسَهَا آیَةً مُبْصِرَةً لِنَهَارِهَا، وَقَمَرَهَا آیَةً مَمْحُوَّةً مِنْ لَیْلِهَا، وَأَجْرَاهُمَا فِی مَنَاقِلِ مَجْرَاهُمَا، وَقَدَّرَ مَسِیَرهُما فِی مَدَارِجِ دَرَجِهِمَا، لُِیمَیِّزَ بَیْنَ اللَّیْلِ وَالنَّهَارِ بِهِمَا، وَلِیُعْلَمَ عَدَدُ السِّنِینَ والْحِسَابُ بِمَقَادِیرِهِمَا، ثُمَّ عَلَّقَ فِی جَوِّهَا فَلَكَهَا، وَنَاطَ بِهَا زِینَتَهَا، مِنْ خَفِیَّاتِ دَرَارِیِّهَا وَمَصَابِیحِ كَوَاكِبِهَا، وَرَمَی مُسْتَرِقِی السَّمْعِ بِثَوَاقِبِ شُهُبِهَا، وَأَجْرَاها عَلَی أَذْلاَلِ تَسْخِیرِهَا مِنْ ثَبَاتِ ثَابِتِهَا، وَمَسِیرِ سَائِرِهَا، وهُبُوطِهَا وَصُعُودِهَا، وَنُحُوسِهَا وَسُعُودِهَا.

ومنها فی صفة الملائكة

ثُمَّ خَلَقَ سُبْحَانَهُ لِإِسْكَانِ سَمَاوَاتِهِ، وَعِمَارَةِ الصَّفِیحِ الْأَعْلَی مِنْ مَلَكُوتِهِ، خَلْقاً بَدِیعاً مِنْ مَلاَئِكَتِهِ، وَمَلاََ بهِمْ فُرُوجَ فِجَاجِهَا، وَحَشَا بِهِمْ فُتُوقَ أَجْوَائِهَا، وَبَیْنَ فَجَوَاتِ تِلْكَ الْفُرُوجِ زَجَلُ الْمُسَبِّحِینَ مِنْهُمْ فِی حَظَائِرِ الْقُدُسِ، وَسُتُرَاتِ الْحُجُبِ، وَسُرَادِقَاتِ الْمَجْدِ، وَوَرَاءَ ذلِكَ الرَّجِیجِ الَّذِی تَسْتَكُّ مِنْهُ الْأَسْمَاعُ سُبُحَاتُ نُورتَرْدَعُ الْأَبْصَارَ عَنْ بُلُوغِهَا، فَتَقِفُ خَاسِئَةً عَلَی حُدُودِهَا. أَنْشَأَهُمْ عَلَی صُوَرٍ مُخْتَلِفَاتٍ، وَأَقْدَارٍ مُتَفَاوِتَاتٍ، (أُولِی أَجْنِحَةٍ) تُسَبِّحُ جَلاَلَ عِزَّتِهِ، لاَ یَنْتَحِلُونَ مَا ظَهَرَ فِی الْخَلْقِ مِنْ صُنْعِهِ، وَلاَ یَدَّعُونَ أَنَّهُمْ یَخْلُقُونَ شَیْئاً مَعَهُ مِمَّا انْفَرَدَ بِهِ، (بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ * لاَ یَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأمْرِهِ یَعْمَلُونَ). جَعَلَهُمُ اللهُ فِیَما هُنَالِكَ أَهْلَ الْأَمَانَةِ عَلَی وَحْیِهِ، وَحَمَّلَهُمْ إِلی الْمُرْسَلِینَ وَدَائِعَ أَمْرِهِ وَنَهْیِهِ، وَعَصَمَهُمْ مِنْ رَیْبِ الشُّبُهَاتِ، فَمَا مِنْهُمْ زَائِغٌ عَنْ سَبِیلِ مَرْضَاتِهِ، وَأَمَدَّهُمْ بِفَوَائِدِ المَعُونَةِ، وَأَشْعَرَ قُلُوبَهُمْ تَوَاضُعَ إِخْبَاتِ السَّكِینَةِ، وَفَتَحَ لَهُمْ أَبْوَاباً ذُلُلاً إِلی تَمَاجِیدِهِ، وَنَصَبَ لَهُمْ مَنَاراً وَاضِحَةً عَلَی أَعْلاَمِ تَوْحِیدِهِ، لَمْ تُثْقِلْهُمْ مُوصِرَاتُ الْآثَامِ، وَلَمْ تَرْتَحِلْهُمْ عُقَبُ اللَّیَالی وَالْأَیَّامِ، وَلَمْ تَرْمِ الشُّكُوكُ بِنَوَازِعِهَا عَزِیمَةَ إِیمَانِهمْ، وَلَمْ تَعْتَرِكِ الظُّنُونُ عَلَی مَعَاقِدِ یَقِینِهمْ، وَلاَ قَدَحَتْ قَادِحَةُ الْإِحَنِ فِیَما بَیْنَهُمْ، وَلاَ سَلَبَتْهُمُ الْحَیْرَةُ مَا لاَقَ مِنْ مَعْرِفَتِهِ بِضَمائِرِهمْ، وَسَكَنَ مِنْ عَظَمَتِهِ وَهَیْبَةِ جِلاَلَتِهِ فِی أَثْنَاءِ صُدُورِهمْ، وَلَمْ تَطْمَعْ فِیهِمُ الْوَسَاوِسُ فَتَقْتَرِعَ بِرَیْنِهَا عَلی فِكْرِهمْ. مِنْهُمْ مَنْ هُوَ فی خَلْقِ الْغَمَامِ الدُّلَّحِ، وَفی عِظَمِ الْجِبَالِ الشُّمَّخِ، وَفی قَتْرَةِ الظَّلاَمِ الْأَیْهَمِ, وَمِنْهُمْ مَنْ قَدْ خَرَقَتْ أَقْدَامُهُمْ تُخُومَ الْأَرْضِ السُّفْلَی، فَهِیَ كَرَایَاتٍ بِیضٍ قَدْ نَفَذَتْ فِی مَخَارِقِ الْهَوَاءِ، وَتَحْتَهَا رِیحٌ هَفَّافَةٌ تَحْبِسُهَا عَلَی حَیْثُ انْتَهَتْ مِنَ الْحُدُودِ الْمُتَنَاهِیَةِ، قَدِ اسْتَفْرَغَتْهُمْ أَشْغَالُ عِبَادَتِهِ، ووَصَلَتْ حَقَائِقُ الْإِیمَانِ بَیْنَهُمْ وَبَیْنَ مَعْرِفَتِهِ، وَقَطَعَهُمُ الْإِیقَانُ بِهِ إِلی الْوَلَهِ إِلیْهِ، وَلَمْ تُجَاوِزْ رَغَبَاتُهُمْ مَا عِنْدَهُ إِلی مَا عِنْدَ غَیْرِهِ. قَدْ ذَاقُوا حَلاَوَةَ مَعْرِفَتِهِ، وَشَرِبُوا بِالْكَأْسِ الرَّوِیَّةِ مِنْ مَحَبَّتِهِ، وَتَمَكَّنَتْ مِنْ سُوَیْدَاءِ قُلُوبِهمْ وَشِیجَةُ خِیفَتِهِ، فَحَنَوْا بِطُولِ الطَّاعَةِ اعْتِدَالَ ظُهُورِهمْ، وَلَمْ یُنْفِدْ طُولُ الرَّغْبَةِ إِلَیْهِ مَادَّةَ تَضَرُّعِهِمْ، وَلاَ أَطْلَقَ عَنْهُمْ عَظِیمُ الزُّلْفَةِ رِبَقَ خُشُوعِهمْ، وَلَمْ یَتَوَلَّهُمُ الْإِعْجَابُ فَیَسْتَكْثِرُوا مَا سَلَفَ مِنْهُمْ، وَلاَ تَرَكَتْ لَهُمُ اسْتِكَانَةُ الْإِجْلاَلِ نَصِیباً فِی تَعْظِیمِ حَسَنَاتِهمْ، وَلَمْ تَجْرِ الْفَتَرَاتُ فِیهِمْ عَلَی طُولِ دُؤُوبِهِمْ، وَلَمْ تَغِضْ رَغَبَاتُهُمْ فَیُخَالِفُوا عَنْ ر َجَاءِ رَبِّهِمْ، وَلَمْ تَجِفَّ لِطُولِ الْمُنَاجَاةِ أَسَلاَتُ أَلْسِنَتِهمْ، وَلاَ مَلَكَتْهُمُ الْأَشْغَالُ فَتَنْقَطِعَ بِهَمْسِ الْجُؤَارِ إِلَیْهِ أَصْواتُهُمْ، وَلَمْ تَخْتَلِفْ فِی مَقَاوِمِ الطّاعَةِ مَناكِبُهُمْ، وَلَمْ یَثْنُوا إِلَی رَاحَةِ التَّقْصِیرِ فِی أَمرِهِ رِقَابَهُمْ، وَلاَ تَعْدُو عَلَی عَزِیمَةِ جِدِّهِم بَلاَدَةُ الْغَفَلاَتِ، وَلاَ تَنْتَضِلُ فِی هِمَمِهِمْ خَدَائِعُ الشَّهَوَاتِ. قَدِْ اتَّخَذُوا ذَا الْعَرْشِ ذَخِیرَةً لِیَومِ فَاقَتِهمْ، وَیَمَّمُوهُ عِنْدَ انْقِطَاعِ الْخَلْقِ إِلی المَخْلُوقِینَ بِرَغْبَتِهمْ، لاَ یَقْطَعُونَ أَمَدَ غَایَةِ عِبَادَتِهِ، وَلاَ یَرْجِعُ بِهمُ الاِسْتِهْتَارُ بِلُزُومِ طَاعَتِهِ، إِلاَّ إِلَی مَوَادَّ مِنْ قُلُوبِهمْ غَیْرِ مُنْقَطِعَةٍ مِنْ رَجَائِهِ وَ مَخَافَتِهِ، لَمْ تَنْقَطِعْ أَسْبَابُ الشَّفَقَةِ مِنْهُمْ، فَیَنُوا فی جِدِّهِمْ، وَلَمْ تَأْسِرْهُمُ الْأَطْمَاعُ فَیُؤْثِرُوا وَشِیكَ السَّعْیِ عَلَی اجْتِهَادِهِمْ. ولَمْ یَسْتَعْظِمُوا مَا مَضَی مِنْ أَعْمَالِهِمْ، وَلَوِ اسْتَعْظَمُوا ذلِكَ لَنَسَخَ الرَّجَاءُ مِنْهُمْ شَفَقَاتِ وَجَلِهِمْ، وَلَمْ یَخْتَلِفُوا فِی رَبِّهِمْ بِاسْتِحْواذِ الشَّیْطَانِ عَلَیْهِمْ، وَلَمْ یُفَرِّقْهُمْ سُوءُ التَّقَاطُعِ، وَلاَتَوَلاّهُمْ غِلُّ التَّحَاسُدِ، وَلاَ تَشَعَّبَتْهُمْ مَصَارِفُ الرِّیَبِ، وَلاَ اقْتَسَمَتْهُمْ أَخْیَافُ الْهِمَمِ، فَهُمْ أُسَرَاءُ إِیمَانٍ لَمْ یَفُكَّهُمْ مَنْ رِبْقَتِهِ زَیَغٌ وَلاَ عُدُولٌ وَلاَ وَنیً وَلاَ فُتُورٌ، وَلَیْسَ فی أَطْبَاقِ السَّمَاءِ مَوْضِعُ إِهَابٍ ِلاَّ وَعَلَیْهِ مَلَكٌ سَاجِدٌ، أَوْ سَاعٍ حَافِدٌ، یَزْدَادُونَ عَلَی طُولِ الطَّاعَةِ بِرَبِّهمْ عِلْماً، وَتَزْدَادُ عِزَّةُ رَبِّهِمْ فِی قُلُوبِهِمْ عِظَماً.

ومنها فی صفة الارض ودحوها علی الماء

كَبَسَ الْأَرْضَ عَلی مَوْرِ أَمْوَاجٍ مُسْتَفْحِلَةٍ، وَلُجَجِ بِحَارٍ زَاخِرَةٍ، تَلْتَطِمُ أَوَاذِیُّ أمْواجِهَا، وَتَصْطَفِقُ مُتَقَاذِفَاتُ أَثْبَاجِها، وَتَرْغُو زَبَداً كَالْفُحُولِ عِنْدَ هِیَاجِهَا، فَخَضَعَ جِمَاحُ الْمَاءِ الْمُتَلاَطِمِ لِثِقَلِ حَمْلِهَا، وَسَكَنَ هَیْجُ ارْتِمَائِهِ إِذْ وَطِئَتْهُ بِكَلْكَلِهَا، وَذَلَّ مُسْتَخْذِیاً إِذْ تَمعَّكَتْ عَلَیْهِ بِكَوَاهِلِهَا، فَأَصْبَحَ بَعْدَ اصْطِخَابِ أَمْوَاجِهِ، سَاجِیاً مَقْهُوراً، وَفِی حَكَمَةِ الذُّلِّ مُنْقَاداً أَسِیراً، وَسَكَنَتِ الْأَرْضُ مَدْحُوَّةً فِی لُجَّةِ تَیَّارِهِ، وَرَدَّتْ مِنْ نَخْوَةِ بَأْوِهِ وَاعْتِلاَئِهِ، وَشُمُوخِ أَنْفِهِ وَسُمُوِّ غُلَوَائِهِ، وَكَعَمَتْهُ عَلَی كِظَّةِ جَرْیَتِهِ، فَهَمَدَ بَعْدَ نَزَقَاتِهِ، وَ لَبَدَ بَعْدَ زَیَفَانِ وَثَبَاتِهِ. فَلَمَّا سَكَنَ هَیْجُ الْمَاءِ مِنْ تَحْتِ أَكْنَافِهَا، وَحَمْلِ شَوَاهِقِ الْجِبَالِ الْبُذَّخِ عَلَی أَكْتَافِهَا، فَجَّرَ یَنَابِیعَ الْعُیُونِ مِنْ عَرَانِینِ أُنُوفِهَا، وَفَرَّقَهَا فِی سُهُوبِ بِیدِهَا وَأَخَادِیدِهَا، وَعَدَّلَ حَرَكَاتِهَا بِالرَّاسَیَاتِ مِنْ جَلاَمِیدِهَا، وَذَوَاتِ الشَّنَاخِیبِ الشُّمِّ مِنْ صَیَاخِیدِهَا، فَسَكَنَتْ مِنَ الْمَیَدَانِ لِرُسُوبِ الْجِبَالِ فِی قِطَعِ أَدِیمِهَا، وَتَغَلْغُلِهَا مُتَسَرِّبَةً فی جَوْبَاتِ خَیَاشِیمِهَا، وَرُكُوبِهَا أَعْنَاقَ سُهُولِ الْأَرَضِینَ وَجَرَاثِیمِهَا، وَفَسَحَ بَیْنَ الْجَوِّ وَبَیْنَهَا، وَأَعَدَّ الْهَوَاءَ مُتَنَسَّماً لِسَاكِنِهَا، وَأَخْرَجَ إِلَیْهَا أَهْلَهَا عَلَی تَمَامِ مَرَافِقِها. ثُمَّ لَمْ یَدَعْ جُرُزَ الْأَرْضِ الَّتی تَقْصُرُ مِیَاهُ الْعُیُونِ عَنْ رَوَابِیهَا، وَلاَ تَجِدُ جَدَاوِلُ الْأَنْهَارِ ذَرِیعَةً إِلی بُلُوغِهَا، حَتَّی أَنْشَأَ لَهَا نَاشِئَةَ سَحَابٍ تُحْیِی مَوَاتَهَا، وَتَسْتَخْرِجُ نَبَاتَهَا. أَلَّفَ غَمَامَهَا بَعْدَ افْتِرَاقِ لُمَعِهِ، وَتَبَایُنِ قَزَعِهِ. حَتَّی إِذَا تَمَخَّضَتْ لُجَّةُ الْمُزْنِ فِیهِ، وَالْتَمَعَ بَرْقُهُ فَی كُفَفِهِ، وَلَمْ یَنَمْ وَمِیضُهُ فِی كَنَهْوَرِ رَبَابِهِ، وَمُتَرَاكِمِ سَحَابِهِ، أَرْسَلَهُ سَحًّا مُتَدَارَكاً، قَدْ أَسَفَّ هَیْدَبُهُ، تَمْرِیهِ الْجَنُوبُ دِرَرَ أَهَاضِیبِهِ، وَدُفَعَ شَآبِیبِهِ. مَّا أَلْقَتِ السَّحابُ بَرْكَ بِوَانَیْهَا، وَبَعَاعَ مَا اسْتَقَلَّتْ بِهِ مِنَ الْعِبْءِ الْمَحْمُولِ عَلَیْهَا، أَخْرَجَ بِهِ مِنْ هَوَامِدِ الْأَرْضِ النَّبَاتَ، وَمِنْ زُعْرِ الْجِبَالِ الْأَعْشابَ،فَهِیَ تَبْهَجُ بِزِینَةِ رِیَاضِهَا،وَتَزْدَهِی بِمَا أُلْبِسَتْهُ مِنْ رَیْطِ، أَزَاهِیرِهَا، وَحِلْیَةِ مَا سُمِطَتْ بِهِ مِنْ نَاضِرِ أَنْوَارِهَا، وَجَعَلَ ذلِكَ بَلاَغاً لِلْأَنَامِ، وَرِزْقاً لِلْأَنْعَامِ، وَخَرَقَ الْفِجَاجَ فِی آفَاقِهَا، وَأَقَامَ المَنَارَ لَلسَّالِكِینَ عَلَی جَوَادِّ طُرُقِهَا. فَلَمَّا مَهَدَ أَرْضَهُ، وَأَنْفَذَ أَمْرَهُ، اخْتَارَ آدَمَ عَلَیْهِ السَّلامُ، خِیرَةً مِنْ خَلْقِهِ، وَجَعَلَهُ أَوّلَ جِبِلَّتِهِ، وَأَسْكَنَهُ جَنَّتَهُ، وَأَرْغَدَ فِیهَا أُكُلَهُ، وَأَوْعَزَ إِلَیْهِ فِیَما نَهَاهُ عَنْهُ، وَأَعْلَمَهُ أَنَّ فِی الْإِقْدَامِ عَلَیْهِ التَّعرُّضَ لِمَعْصِیَتِهِ، وَالْمُخَاطَرَةَ بِمَنْزِلَتِهِ; فَأَقْدَمَ عَلَی مَا نَهَاهُ عَنْهُ ـ مُوَافَاةً لِسَابِقِ عِلْمِهِ ـ فَأَهْبَطَهُ بَعْدَ التَّوْبَةِ لِیَعْمُرَ أَرْضَهُ بِنَسْلِهِ، وَلِیُقِیمَ الْحُجَّةَ بهِ عَلَی عِبَادِهِ، ولَمْ یُخْلِهِمْ بَعْدَ أَنْ قَبَضَهُ، مِمَّا یُؤَكِّدُ عَلَیْهِمْ حُجَّةَ رُبُوبِیَّتِهَ، وَیَصِلُ بَیْنَهُمْ وَبَیْنَ مَعْرِفَتِهِ، بَلْ تَعَاهَدَهُمْ بَالْحُجَجِ عَلَی أَلْسُنِ الْخِیَرَةِ مِنْ أَنْبِیَائِهِ، وَمُتَحَمِّلِی وَدَائِعِ رِسَالاَتِهِ، قَرْناً فَقَرْناً; حَتَّی تَمَّتْ بِنَبِیِّنَا مُحَمَّد صَلَّی اللهُ عَلَیْهِ وَآلِهِ وَ سَلَّمَ- حُجَّتُهُ، وَبَلَغَ الْمَقْطَعَ عُذْرُهُ وَنُذُرُهُ، وَقَدَّرَ الْأَرْزَاقَ فَكَثَّرَهَا وَقَلَّلَهَا،وَقَسَّمَهَا عَلَی الضِّیقِ والسَّعَةِ فَعَدَلَ فِیهَا لِیَبْتَلِیَ مَنْ أَرَادَ بَمَیْسُورِهَا وَمَعْسُورِهَا، وَلِیَخْتَبِرَ بِذلِكَ الشُّكْرَ والصَّبْرَ مِنْ غَنِیِّهَا وَفَقِیرِهَا، ثُمَّ قَرَنَ بِسَعَتِهَا عَقَابِیلَ فَاقَتِهَا، وَبِسَلاَمَتِهَا طَوَارِقَ آفَاتِهَا، وَبِفُرَجِ أَفْرَاحِهَا غُصَصَ أَتْرَاحِهَا. وَخَلَقَ الْآجَالَ فَأَطَالَهَا وَقَصَّرَهَا، وَقَدَّمَهَا وَأَخَّرَهَا، وَوَصَلَ بَالْمَوْتِ أَسْبَابَهَا، وَجَعَلَهُ خَالِجاً لِأَشْطَانِهَا، وَقَاطِعاً لمَرائِر ِأَقْرَانِهَا. عَالِمُ السِّرِّ مِنْ ضَمَائِرِ الْمُضْمِرِینَ، وَنَجْوَی الْمُتَخَافِتِینَ، وَخَوَاطِرِ رَجْمِ الظُّنُونِ، وَعُقَدِ عَزِیمَاتِ الْیَقِینِ، وَمَسَارِقِ إِیمَاضِ الْجُفُونِ، وَمَا ضَمِنَتْهُ أَكْنَانُ الْقُلُوبِ وَغَیَابَاتُ الْغُیُوبِ، وَمَا أَصْغَتْ لاِسْتِرَاقِهِ مَصَائِخُ الْأَسْمَاعِ، وَمَصَائِفُ الذَّرِّ، وَمَشَاتِی الْهَوَامِّ، وَرَجْعِ الْحَنِینِ مِنْ الْمُولَهَاتِ، وَهَمْسِ الْأَقْدَامِ، وَمُنْفَسَحِ الثَّمَرَةِ مِنْ وَلاَئِجِ غُلُفِ الْأَكْمَامِ، وَمُنْقَمَعِ الْوُحُوشِ مِنْ غِیرَانِ الْجِبَالِ وَأَوْدِیَتِهَا، وَمُخْتَبَإِ الْبَعُوضِ بَیْنَ سُوقِ الْأَشْجَارِ وَأَلْحِیَتِهَا، وَمَغْرِزِ الْأَوْرَاقِ مِنَ الْأَفْنَانِ، وَمَحَطِّ الْأَمْشَاجِ مِنْ مَسَارِبِ الْأَصْلاَبِ، وَنَاشِئَةِ الْغُیُومِ وَمُتَلاَحِمِهَا، وَدُرُورِ قَطْرِ السَّحَابِ فی مُتَرَاكِمِهَا، وَمَا تَسْفِی الْأَعَاصِیرُ بِذُیُولِهَا، وَتَعْفُو الْأَمْطَارُ بِسُی ُولِهَا، وَعَوْمِ بَنَاتِ الْأَرضِ فِی كُثْبَانِ الرِّمَالِ، وَمُسْتَقَرِّ ذَوَاتِ الْأَجْنِحَةِ بِذُرَا شَنَاخِیبِ الْجِبَالِ، وَتَغْرِیدِ ذَوَاتِ الْمَنْطِقِ فِی دَیَاجِیرِ الْأَوْكَارِ، وَمَا أوْعَبَتْهُ الْأَصْدَافُ، وَحَضَنَتْ عَلَیْهِ أَمْوَاجُ الْبِحَارِ، وَمَا غَشِیَتْهُ سُدْفَةُ لَیْلٍ، أَوْ ذَرَّ عَلَیْهِ شَارِقُ نَهَارٍ، وَمَا اعْتَقَبَتْ عَلَیْهِ أَطْبَاقُ الدَّیَاجِیرِ، وَسُبُحَاتُ النُّورِ، وَأَثَرِ كُلِّ خَطْوَةٍ، وَحِسِّ كُلِّ حَرَكَةٍ، وَرَجْعِ كُلِّ كَلِمَةٍ، وَتَحْرِیكِ كُلِّ شَفَةٍ، وَمُسْتَقَرِّ كُلِّ نَسَمَةٍ، وَمِثْقَالِ كُلِّ ذَرَّةٍ، وَهَمَاهِمِ كُلِّ نَفْسٍ هَامَّةٍ، وَمَا عَلَیْهَا مِنْ ثَمَرِ شَجَرَةٍ، أَوْ ساقِطِ وَرَقَةٍ، أَوْ قَرَارَةِ نُطْفَةٍ، أوْ نُقَاعَةِ دَمٍ وَمُضْغَةٍ، أَوْ نَاشِئَةِ خَلْقٍ وَسُلاَلَةٍ, لَمْ تَلْحَقْهُ فِی ذلِكَ كُلْفَةٌ، وَلاَ اعْتَرَضَتْهُ فِی حِفْظِ مَا ابْتَدَعَ مِنْ خَلْقِهِ عَارِضَةٌ، وَلاَ اعْتَوَرَتْهُ فِی تَنْفِیذِ الْأُمُورِ وَتَدَابِیرِ الْمَخلُوقِینَ مَلاَلَةٌ وَلاَ فَتْرَةٌ، بَلْ نَفَذَهُمْ عِلْمُهُ، وَأَحْصَاهُمْ عَدَدُهُ، وَوَسِعَهُمْ عَدْلُهُ، وَغَمَرَهُمْ فَضْلُهُ، مَعَ تَقْصِیرِهِمْ عَنْ كُنْهِ مَا هُوَ أَهْلُهُ.

دعاء

اللَّهُمَّ أَنْتَ أَهْلُ الْوَصْفِ الْجَمِیلِ، وَالتَّعْدَادِ الْكَثِیرِ، إِنْ تُؤَمَّلْ فَخَیْرُ مَأْمُولٍ، وَإِنْ تُرْجَ فَخَیْرُ مَرْجُوٍّ. اللَّهُمَّ وَقَدْ بَسَطْتَ لی فِیَما لاَ أَمْدَحُ بِهِ غَیْرَكَ، وَلاَ أُثْنِی بِهِ عَلَی أَحَد سِوَاكَ، وَلاَ أُوَجِّهُهُ إِلَی مَعَادِنِ الْخَیْبَةِ وَمَوَاضِعِ الرِّیبَةِ، وَعَدَلْتَ بِلِسَانی عَنْ مَدَائِحِ الْآدَمِیِّینَ، وَالثَّنَاءِ عَلَی الْمَرْبُوبِینَ الْمَخْلُوقِینَ. اللَّهُمَّ وَلِكُلِّ مُثْنٍ عَلَی مَنْ أَثْنَی عَلَیْهِ مَثُوبَةٌ مِنْ جَزَاءٍ، أَوْ عَارِفةٌ مِنْ عَطَاءٍ; وَقَدْ رَجَوْتُكَ دَلِیلاً عَلَی ذَخَائِرِ الرَّحْمَةِ وَكُنُوزِ الْمَغْفِرَةِ. اللَّهُمَّ وَهذَا مَقَامُ مَنْ أَفْرَدَكَ بِالتَّوْحِیدِ الَّذِی هُوَ لَكَ، وَلَمْ یَرَ مُستَحِقّاً لِهذِهِ الَْمحَامِدِ وَالْمَمادِحِ غَیْرَكَ، وَبِی فَاقَةٌ إِلَیْكَ لاَ یَجْبُرُ مَسْكَنَتَهَا إِلاَّ فضْلُكَ، وَلاَ یَنْعَشُ مِنْ خَلَّتِهَا إِلاَّ مَنُّكَ وَجُودُكَ، فَهَبْ لَنَا فِی هذَا الْمَقَامِ رِضَاكَ، وَأَغْنِنَا عَنْ مَدِّ الْأَیْدِی إِلَی مَن سِوَاكَ، (إِنَّكَ عَلی كُلِّ شَیْءٍ قَدِیرٌ)!